فصل: ثم دخلت سنة أربع وثلاثين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين

فمن الحوادث فيها

 غزوة معاوية حصن المرأة

من أرض الروم من ناحية مَلْطَية في قول الواقدي‏.‏

وفيها‏:‏

 غزوة عبد الله بن سعد بن أبي سرح إفريقية الثانية

حين نقض أهلها العهد‏.‏

وفيها‏:‏

قدم عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس إلى خراسان

حين انتقض أهلها ونبعه ابن عامر وفتح عليهم‏.‏

وفيها

 سير عثمان رضي اللّه عنه من أهل العراق من سير إلى الشام

فسير جماعة من أهل الكوفة كانوا يذكرون عثمان ويسبون سعدًا فكتب سعد بن أبي وقاص إِلى عثمان في أمرهم فكتب إليه ابعثهم إلى معاوية فلما ذهبوا إليه رأى منهم ما لا يصلح فأبعدهم عنه فرجعوا إلى الكوفة فضج أهل الكوفة منهم فسيروا إلى حمص ومن القوم مالك بن الحارث الأشتر وثابت بن قيس النخعي وكميل بن زياد وزيد بن صوحان وجندب بن وسير جماعة من أهل البصرة إلى الشام أيضًا منهم حمران بن أبان وكان قد تزوج امرأة في عدتها فنكل به عثمان وفرق بينهما وسيره إِلى أهل البصرة‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ حدثنا أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدَّثنا شعيب قال‏:‏ حدثنا سيف عن محمد وطلحة‏:‏ أن عثمان سير حمران بن أبان حين تزوج امرأة في عدتها وفرق بينهما وضربه وسيره إلى البصرة ثم أذن له فقدم عليه المدينة وقدم معه قوم سعوا بعامر بن عبد قيس أنه لا يرى التزويج ولا يأكل اللحم ولا يشهد الجمعة وكان عامر منقبضًا وعمله كله مستعبر فكتب إلى عبد الله بن عامر بذلك فألحقه بمعاوية‏.‏

فلما قدم عليه وافقه وعنده ثريدة فأكل أكلًا غريبًا فعرف أن الرجل مكذوب عليه فقال‏:‏ يا هذا هل تدري فيما أخرجت قال‏:‏ لا قال‏:‏ أبلغ الخليفة أنك لا تأكل اللحم وقد عرفت أنك مكذوب عليك وأنك لا ترى التزويج ولا تشهد الجمعة‏.‏

قال‏:‏ أما الجمعة فإني أشهدها في مؤخر المسجد ثم أرجع في أوائل الناس وأما التزويج فإني خرجت وأنا يخطب عليً وأما اللحم فقد رأيت ولكني كنت امرأ لا آكل ذبائح القصابين منذ رأيت قصابًا يجر شاة إلى مذبحها ثم وضع السكين على حلقها وما زال يقول‏:‏ النفاق النَّفاق حتى وجبت‏.‏

قال‏:‏ فارجع قال‏:‏ لا أرجع إلى بلد استحل أهله مني ما استحلوا ولكني أقيم بهذا البلد الذي اختاره الله لي‏.‏

وكان يكون في السواحل وكان يلقى معاوية فيقول له‏:‏ حاجتك فيقول‏:‏ لا حاجة لي فلما أكثر عليه قال‏:‏ ترد علي من حَر البصرة لعل الصوم أن يشتد علي شيئًا فإنه يخف علي في بلادكم‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

حج عثمان بالناس وولد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحارث بن نوفل

ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم‏:‏ أسلم عند إسلام أبيه وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مكة وانتقل إلى البصرة ونزلها وتوفي بها‏.‏

المقداد بن الأسود واسم أبيه عمرو بن ثعلبة بن مالك أبو معبد‏:‏ كان حليفًا للأسود بن عبد يغوث الزهري في الجاهلية فتبناه وكان يقال له المقداد بن الأسود وكان طويلًا أدم ذا بطن كثير شعر الرأس يصفر لحيته مقرون الحواجب أقنأ‏.‏

وهاجر المقداد إلى الحبشة الهجرة الثانية في قول ابن إسحاق والواقدي ولم يذكره موسى بن عقبة ولا أبو معشر وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا والمشاهد كلها‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمر بن حيوية أخبرنا أبو الحسن بن معروف أخبرنا الحسين بن الفهم حدَّثنا محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عبيد والفضل بن دكين قالا‏:‏ حدثنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال‏:‏ أول من عدا به فرسه في سبيل الله عز وجل المقداد بن الأسود‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن مخارق عن طارق عن عبد الله قال‏:‏ شهدت من المقداد مشهدًا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عُدِل به إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال‏:‏ يا رسول الله إنا والله لا نقول لك كما قال قوم موسى‏:‏ ‏{‏فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون‏}‏ ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وجهه وسره ذلك‏.‏

شرب المقداد دهن الخروع فمات بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع بالمدينة وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان ابن سبعين سنة أو نحوها‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وثلاثين

فمن الحوادث فيها‏:‏

 اجتماع المنحرفين على عثمان

أن المنحرفين عن عثمان تكاتبوا للاجتماع لمناظرته فيما نقموا عليه وتذاكر قوم أعمال عثمان فأجمعوا رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلًا يكلمه ويخبره بأحداثه فأرسلوا إليه عامر بن عبد قيس فدخل عليه فقال‏:‏ إن ناسًا من المسلمين اجتمعوا ونظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورًا عظامًا فاتق الله وانزع عنها فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان وإلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وإلى سعيد بن العاص وعمرو بن العاص وعبد الله بن عامر فجمعهم فشاورهم في أمره فقال عبد الله بن عامر‏:‏ إني أرى أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك فلا يهم أحدهم إِلا نفسه‏.‏

وقال ابن أبي سرح‏:‏ أعطهم المال تعطف عليك قلوبهم‏.‏

وقال معاوية‏:‏ تأمر أجنادك يكفيك كل منهم من قبله‏.‏

وقال عمرو بن العاص‏:‏ اعتدل أو اعتزل فإن أبيت فاعتزم عزمًا وامض قدمًا فردهم عثمان إلى أعمالهم وأمرهم بالتضييق على مَنْ قبلهم وتجمير الناس في البعوث ورد سعيد بن العاص أميرًا على الكوفة فخرج أهل الكوفة فردوه وهم يزيد بن قيس والأشتر وذلك يوم الجَرَعة والجرعة مكان مشرف قرب القادسية وهناك تلقاه أهل الكوفة‏.‏

فرجع إلى عثمان وضرب الأشتر عنق غلام كان مع سعيد فقال عثمان لسعيد‏:‏ ما يريدون قال‏:‏ البدل قال‏:‏ فمن يريدون قال‏:‏ أبا موسى فجعله عليهم‏.‏

وروى الواقدي عن أشياخه‏:‏ أن جماعة اجتمعوا فكلموا علي بن أبي طالب في أمر عثمان فدخل عليه وقال‏:‏ الناس من ورائي وقد كلموني فيك وما أعرف شيئًا تجهله ولا أدلك على أمرٍ لا تعرفه وقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونلت صهره وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك ولا ابن الخطاب‏.‏

وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمًا وقد نلت من صهره ما لم ينالا‏.‏

فقال عثمان‏:‏ والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا عبت عليك إن وصلت رحمًا وسددتَ خَلة أنشدك الله يا علي أتعلم أن عمر ولى المغيرة أو ليس ذلك قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فلم تلومني إن وليت ابن عامر في رَحِمه وقرابته قال‏:‏ سأخبرك إن عمر كان كل من ولي فإنما يطأ على صِماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى غاية أنت لا تفعل رفقة بأقربائك قال عثمان‏:‏ فهل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها قال‏:‏ نعم قال علي‏:‏ فهل تعلم أن معاوية كان أخوف لعمر من غلامه يَرْفَأ قال‏:‏ نعم فهو يقطع الأمور دونك وأنت تعلمها فيبلغك ولا تغير عليه‏.‏

ثم خرج علي فخرج عثمان فجلس على المنبر ثم قال‏:‏ لقد عبتم علي ما أقررتم لابن الخطاب بمثله ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدِنْتم له على ما أحببتم وكرهتم ولنت لكم وأوطأت لكم كنفي وكففت يدي ولساني عنكم فاجترأتم علي فكفوا عليكم ألسنتكم وطعنكم على ولاتكم وما لي لا أصنع في فضل المال ما أريد فلم كنت إمامًا‏.‏

فقام مروان بن الحكم فقال‏:‏ إن شئتم حكمنا بيننا وبينكم السيف‏.‏

فقال عثمان‏:‏ اسكت لا سكت دعني وأصحابي ثم نزل عثمان‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏

 حج بالناس عثمان

وحج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه كما فعل عمر رضي الله عنهما‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

زيد بن سهل

ابن الأسود أبو طلحة الأنصاري‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدٌثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا عفان قال‏:‏ حدًثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس‏:‏ أن أبا طلحة كان يرمي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه يتترس به وكان راميًا وكان إذا ما رفع رأسه ينظر أين يقع سهمه فيرفع أبو طلحة رأسه ويقول‏:‏ هكذا بأبي أنت وأمي لا يصيبك سهم نحري دون نحرك‏.‏

قال‏:‏ وسَرَدَ الصوم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى أو في مرض‏.‏

وقرأ هذه الآية‏:‏ ‏{‏انفِرُوا خِفَافًا وَثقالًا‏}‏ فقال‏:‏ جهزوني فقال بنوه‏:‏ قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ونحن نغزو عنك فقال‏:‏ جهزوني‏.‏

فركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة إلا بعد سبعة أيام فدفنوه بها ولم يتغير‏.‏

وقيل‏:‏ مات بالمدينة‏.‏

وصلى عليه عثمان وهو ابن سبعين سنة‏.‏

سويد بن شعبة اليربوعي من بني تميم‏:‏ أخبرنا عبد الوهاب أبن المبارك الأنماطي أخبرنا أبو الحسن بن عبد الجبار أخبره أحمد بن علي التوزي أخبره عمر بن ثابت أخبرنا علي بن أبي قيس حدثنا أبو بكر بن عبيد حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا الهيثم بن جميل وأحمد بن يونس يزيد أحدهما على صاحبه عن ابن شهاب عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال‏:‏ دخلت على سويد بن شعبة وكان من أصحاب الخطط الذين خط لهم عمر بالكوفة فإذ هو منكب على وجهه مسجى بثوب فلولا أن امرأته قالت‏:‏ أهلي فداؤك ما نطعمك ما نسقيك ما ظننت أن تحت الثوب شيئًا‏.‏

فلما رآني قال‏:‏ يا ابن أخي دَبِرَت الحراقفُ والصلب فما من ضجعة غير ما ترى والله ما أحب أني نقصت منه قلامَةَ ظُفر‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ الحرقفة مجتمع رأس الورك ورأس الفخذين‏.‏

عبد الرحمن بن جبر بن عمرو أبو عبس‏:‏ كان هو وأبو بردة بن نيار حين أسلما يكسران أصنام بني حارثة‏.‏

وشهد أبو عبس بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف وكان عمر وعثمان يبعثانه يصدق الناس‏.‏

وتوفي في هذه السنة بالمدينة وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه ودفن بالبقيع وهو ابن سبعين سنة‏.‏

أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدَثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي قال‏:‏ سمعت سفيان بن عيينة يسمي النقباء فسمى عبادة بن الصامت فيهم‏.‏

قال سفيان‏:‏ عبادة عقبي أحدي بدري شجري وهو نقيب توفي بالرملة بالشام في هذه السنة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة‏.‏

عوف بن أثاثة بن عبادة

ابن المطلب بن عبد مناف ويكنى أبا عباد ويلقب مسطحًا‏:‏ شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في هذه السنة وهو ابن ست وخمسين سنة‏.‏

كلثوم بن الحصين أبو رهم الغفاري‏:‏ أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا ابن معروف قال‏:‏ أخبرنا ابن الفهم قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أسلم أبو رهم بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وشهد معه أحدًا فرمي يومئذ بسهم فوقع في نحره فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ وكان يسمى المنحور‏.‏

قال‏:‏ وقال محمد بن عمرو‏:‏ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير من الطائف إلى الجعرانة وأبو رهم إلى جنبه على ناقة له وفي رجليه نعلان غليظان إذ زحمت ناقته ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو رهم‏:‏ فوقع حرف نعلي على ساقه فأوجعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أوجعتني أخر رجلك ‏"‏ وقرع رجلي بالسوط فأخذني ما تقدم من أمري وما تأخر وخشيت أن ينزل في قرآن عظيم مما صنعت فلما أصبحنا بالجعرانة خرجت أرعى الظهر وما هو يومي فرقًا أن يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم رسول يطلبني فلما روحت الركاب سألت فقالوا‏:‏ طلبك النبي صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ إحداهن والله فجئته وأنا أترقب فقال‏:‏ ‏"‏ إنك أوجعتني برجلك فقرعتك بالسوط وأوجعتك فخذ هذه الغنم عوضًا من ضربتي ‏"‏ قال‏:‏ فرضاه عني كان أحب إلي من الدنيا وما فيها‏.‏

قال‏:‏ وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومة يستنفرهم حين أراد تبوكًا‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وثلاثين

فمن الحوادث فيها

 الثورة على عثمان بن عفان ومقتله

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدثنا السري بن يحيى قال‏:‏ حدثنا شعيب قال‏:‏ حدثنا سيف عن عطية عن يزيد الفَقْعَسي قال‏:‏ كان ابن سبأ يهوديًا من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم بالبصرة ثم بالكوفة ثم بالشام فلم يقدر على ما يريد فأخرجوه حتى أتى مصر فغمز عثمان بن عفان وأظهر الأمر بالمعروف وكان عمار بمصر فاستماله ابن السوداء وأصحابه ودعوه إلى خلع عثمان فقدم المدينة‏.‏

وحدثنا سيف عن مبشر بن الفضيل وسهل بن يوسف عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ قدم عمار من مصر وأبي شاكٍ فبلغه فبعثني إليه أدعوه فلما دخل على سعد قال‏:‏ ويحك يا أبا اليقظان إن كنت فينا لمن أهل الخير فما الذي بلغني من سعيك في فساد بين المسلمين والتأليب على أمير المؤمنين أمعك عقلك أم لا فأهوى عمار إلى عمامته وغضب فنزعها وقال‏:‏ خلعت عثمان كما خلعت هذه فقال سعد‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون ويحك حين كبر سنك ورق عظمك ونفد عمرك خلعت ربقة الإسلام من عنقك فقام عمار مغضبًا وأقبل سعد يبكي له وقال من يأمن الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه‏.‏

جعل أهل مصر يكتبون إلى الأمصار قال سيف‏:‏ كاتبوا أشياعهم من أهل الأمصار أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف ويسألون عثمان عن أشياء فاجتمع المصريون والكوفيون بالمدينة فخطبهم عثمان وقال‏:‏ إن هؤلاء قالوا‏:‏ أتم الصلاة في السفر وكانت لا تتم ألا وإني قدمت بلدًا فيه أهلي فأتممت قالوا‏:‏ وَحَمَيْتُ حمى وإني والله ما حميت إلا ما حمي قبلي‏.‏

وقالوا‏:‏ إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده‏.‏

وقالوا‏:‏ استعملت الأحداث ولم أستعمل إلا مجتمعًا مرضيًا وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أسامة أشد ما قيل لي‏.‏

وقالوا‏:‏ أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه وإني إنما نفلته خمس الخمس وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر فلما كره الجند ذلك رددته وقالوا‏:‏ إني أحب أهل بيتي وأعطيهم فأما حبي فإنه لم يمل معي على جور وإنما أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس وما تبلغت من مال الله عز وجل بفلس فما فوقه‏.‏

وحدَّثنا سيف عن محمد وطلحة وأبي عثمان وأبي حارثة قالوا‏:‏ لما كان شوال سنة خمس وثلاثين خرج أهل مصر في أربعة رفاق على أربعة أمراء المقلل يقول‏:‏ ستمائة والمكثر يقول‏:‏ ألف‏.‏

على الرفاق عبد الرحمن بن عُدَيس البكري وكنانة بن بشر التجيبي وعروة بن شبيم الليثي وأبو عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي وسواد بن رومان الأصبحي وزرع بن يشكر اليافعي وقتيرة السكوني وسودان بن حمران السكوني‏.‏

وعلى القوم جميعًا الغافقي بن حرب العكي ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما خرجوا كالحُجاج ومعهم ابن السوداء‏.‏

وخرج أهل الكوفة في أربعة رفاق وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم وعليهم جميعًا عمرو بن الأصم وعددهم كعدد أهل مصر وخرج أهل البصرة في أرِبعة رفاق وعلى الرفاق حكيم بن جبلة العبدي وذريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح بن الحطم القيسي وابن محرش بن عبد عمرو الحنفي وعددهم كعدد أهل مصر وأميرهم جميعًا حُرقوص بن زهير السعدي سوى من تلاحق بهم من الناس فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون عليًَا وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة وأما أهل الكوفة فإنهم كانوا يشتهون الزبير‏.‏

فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم أناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خُشُب وأناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص وجاءهم أناس من أهل مصر وتركوا عامتهم بذي المرْوة‏.‏

ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم وقالا‏:‏ لا تعجلوا حتى ندخل المدينة ونرتاد‏.‏

فدخل الرجلان فلقيا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة والزبير وعليًا وقالا‏:‏ إنما نؤم هذا البيت ونستعفي من هذا الوالي من بعض عمالنا ما جئنا إلا لذلك فاستأذنوهم للناس في الدخول فكلهم أبى ونهى فرجعا فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليًا رضي الله عنه ومن البصرة نفر فأتوا طلحة ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير وقال كل فريق منهم‏:‏ إن بايعوا صَاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم ثم نبغتهم‏.‏

فأتى المصريون عليًا رضي الله عنه وقد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع عند عثمان فعرضوا له فصاح بهم فطردهم وقال‏:‏ لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا لا صحبكم الله‏.‏

وأتى البصريون طلحة وقد أرسل بنيه إلى عثمان فعرضوا له فصاح بهم وطردهم وقال مثل قول علي‏.‏

وأتى الكوفيون الزبير وقد سرح ابنه عبد الله إلى عثمان فعرضوا له فصاح بهم وطردهم وقال مثل طلحة‏.‏

خرج القوم وأروْهم أنهم يرجعون فانفشوا عن ذي خشب والأعوص حتى أتوا إلى عساكرهم وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكرون فافترق أهل المدينة لخروجهم فكروا فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة فأحاطوا بعثمان وقالوا‏:‏ من كف يده فهو آمن‏.‏

وأتاهم الناس فكلموهم وفيهم علي فقال علي‏:‏ ما ردكم بعد ذهابكم فقالوا‏:‏ أخذنا مع بريد كتابًا بقتلنا هذا وعثمان يصلي بالناس وهم يصلون خلفه ويقولون لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا‏.‏

وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم فخرجوا على الصعب والذلول فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري وبعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح معاوية بن خديج وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو‏.‏

ولما جاءت الجمعة التي على أثر نزول المصريين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خرج عثمان رضي الله عنه فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال‏:‏ يا هؤلاء إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطايا بالصواب‏.‏

فقام محمد بن مسلمة‏:‏ إنا نشهد بذلك فأخذه حكيم بن جبلة فأقعده فقام زيد بن ثابت فقال‏:‏ ابغني الكتاب فثار إليه محمد بن أب قثيرة فأقعده وثار القوم بأجمعهم فحصبوهم حتى أخرجوهم من المسجد وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيًا عليه فاحتمل فأدخل داره وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن يساعدهم إلا في ثلاثة نفر فإنهم كانوا يراسلونهم‏:‏ محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وعمار بن ياسر وشمر أناس من الناس فاستقتلوا منهم سعد بن مالك وأبو هريرة وزيد بن ثابت والحسن بن علي بن أبي طالب فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا‏.‏

ودخل علي وطلحة والزبير على عثمان يعودونه من صرعته فصلى بهم عثمان بعدما نزلوا به في المسجد ثلاثين يومًا ثم منعوه الصلاة فصلى بالناس أميرهم الغِافقي دان له المصريون والكوفيون والبصريون وتفرق أهل المدينة إلى حيطانهم ولزموا بيوتهم لا يخرج أحد ولا يجلس أحد إلا وعليه سيفه يمتنع به من رهق القوم وكان الحصار أربعين يومًا وفيها كان القتل ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح وكانوا قبل ذلك ثلاثين يومًا يكفون عن الناس ويحتملون منهم الكلام‏.‏

ولما رأى زيد وزياد وعمرو الأصم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عثمان وأنهم لا يجيئونهم رجعوا من بين أهل الكوفة وأعاد عثمان الكتاب إلى الأمراء‏:‏ إن أمر هؤلاء قد بان وأنهم جاولوا الإسلام ومنعوا الصلاة وحالوا بيني وبين المسجد ولما لم يجدوا خرجًا قالوا‏:‏ لا نرضى إلا بأن يعتزلنا فأدركوا الفتنة قبل تدفقها فحرض العمال أهل بلادهم وجاء سعد وزيد وأبو هريرة للقتال فقال عثمان‏:‏ إن كنتم ترون الطاعة فاغمدوا أسيافكم وانصرفوا‏.‏

وجاء كثير بن الصلت فقال لعثمان‏:‏ لو أريت الناس وجهك فقد انكسر الناس فقال‏:‏ يا كثير رأيتني البارحة وكأني دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال‏:‏ قد صبرت فلن يدركك المسلمون حتى تقتل فارجع فإنك مفطر عندي يوم كدا وكذا ولن تغيب الشمس والله يوم كذا وكذا إلا وأنا من أهل الآخرة فقالوا‏:‏ نستقيل فقال‏:‏ اخرجوا عني‏.‏

ولما رأى القوم أن الناس قد ثابوا إلى عثمان وضعوا على علي بن أبي طالب رقيبًا في نفر فلازمه ورقيبه خالد بن ملجم وعلى طلحة رقيبًا فلازمه ورقيبه سودان بن حمران وعلى الزبير رقيبًا فلازمه ورقيبه قتيرة وعلى نفر بالمدينة وقالوا لهم‏:‏ إن تحركوا فاقتلوهم فلما لم يستطع هؤلاء النفر غشيان عثمان بعثوا أبناءهم إلى عثمان فأقبل الحسن بن علي فقال له‏:‏ مرنا بأمرك فقال‏:‏ يا ابن أخي أوصيك بما أوصي به نفسي واصبر وما صبرك إلا بالله وجاء ابن الزبير فقال له مثل ذلك وجاء محمد بن طلحة فقال له مثل ذلك‏.‏

وأشرف عثمان فقال‏:‏ يا أهل المدينة إني أستودعكم الله فارجعوا ولزم عثمان الدار أربعين ليلة فلما مضت من الأربعين ثماني عشرة ليلة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق‏:‏ حبيب من الشام ومعاوية من مصر والقعقاع بن عمرو من الكوفة ومجاشع من البصرة فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه من كل شيء حتى الماء فبعث إلى علي رضي الله عنه بأنهم قد منعونا الماء وإلى طلح والزبيب وعائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فجاء إليهم علي فقال‏:‏ إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين فإن الروم لتأسِرُ فتطعم وتسقي فقالوا‏:‏ لا والله ولا نعمة عين لا نتركه يأكل وليشرب فرجع‏.‏

وجاءت أم حبيبة على بغلة لها برحالة مشتملة على أداة فقالت لهم‏:‏ إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل فأحببت أن ألقاه فأسأله كيلا تهلك أموال اليتامى فقالوا‏:‏ كاذبة وقطعوا حبل بغلتها بالسيف فنذرت فتلقاها الناس‏.‏

وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة‏.‏

وحج بالناس تلك السنة عبد الله بن عباس بأمر عثمان وهو محصور‏.‏

فلما علم المصريون أنهم مقصودان قالوا‏:‏ لا ينجينا إلا قتل هذا الرجل فراموا الباب فمنعهم الحسن وابن الزبيب ومحمد بن طلح ومران وسعيد بن العاصي وكانوا مقيمين على الباب فناداهم عثمان‏:‏ الله أنتم في حل من نصرتي فأبوا ففتح الباب وخرج ومعه الترس والسيف فبارز المصريون وركبهم هؤلاء فتراجعوا وأقسم على أصحابه ليدخلن إذ أبوا أن ينصرفوا فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين واتخذ عثمان القرآن تلك الأيام نَجيًا يصلي وعنده فجاء المصريون بنار فأحرقوا الباب وعثمان في الصلاة قد افتتح طه فما أترثه ما سمع وما تتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه‏.‏

وبارز مران يومئذ فاختلف هو ورجل منهم ضربتين فاجتر هذا أصحابه وهذا أصحابه وَاقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملأاها ولا يشعر الذين بالباب فقال رجل‏:‏ اخلعها وندعك فقال‏:‏ لست خالعًا قميصًا كسانين الله فخرج ودخل آخر فلم يقتله وجاء ابن سلام ينهاهم فقالوا‏:‏ يا ابن اليهودية ما أنت وهذا‏.‏

فأتاه الغافي وبيده حديد فضرب بها رأسه فشجها فقطر دمه على المصحف وضرب المصحف برجله ثم تعاونوا عليه فضربه سودان بن حمران فوثبت نائلة بنت الفرافصة فصاحت وألقت نفسها عليه وأخذت السيف بيدها فتعمدها فقطع أصابع يدها وقتله فوثب غلام لعثمان فقتل سودان فقتل قتيرة الغلام فوثب غلام آخر وقتل قتيرة ورموا بهما فأكلتهما الكلاب‏.‏

ولم يغسل عثمان ولا غلاماه لكونهم شهداء ودفنا إلى جنب عثمان بالبيت وانتهبوا متاع البيت ومر رجل على عثمان ورأسه مع المصحف فضرب رأسه برجا ونحاه عن المصحف وتنادوا في الدار‏:‏ أدركوا بيت المال لا تُسبَقوا إليه فأتوه فانتهبوه‏.‏

وقتل عثمان يوم الجمعة قبل غروب الشمس لثماني عشرة من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف الصياد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن يوسف بن خلاد قال‏:‏ حدثنا الحارث بن محمد قال‏:‏ حدثنا يعقوب بن القاسم الطلحي قال‏:‏ حدثنا الوليد قال حدثنا الأوزاعي عن محمد بن عبد الملك عن المغيرة بن شعبة أنه قال لعثمان حين حصر‏:‏ إنه قد نزل من الأمر ما ترى فاختر واحدة من ثلاث‏:‏ إن شئت أن نفتح لك بابًا سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة فلن يستحلوك بها وإن شئت أن تلحق الشام وفيها معاوية وإن شئت خرجت بمن معك فقاتلناهم فإنا على الحق وهم على الباطل‏.‏

فقال عثمان‏:‏ أما قولك آتي إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب الأمة ‏"‏ فلن أكونه‏.‏

وأما أن آتي إلى الشام فلن أكون لأدع دار هجرتي ومجاورة نبي الله صلى الله عليه وسلم وآتي الشام‏.‏

وأما قولك إني أخرج بمن معي أقاتلهم فلن أكون أول من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بإراقة محجمة دم‏.‏

وروى الواقدي عن أشياخ له عن محمد بن مسلمة قال‏:‏ خرجت في نفر من قومي إلى المصريين فعظمت حق عثمان وما في رقابهم من البيعة وخوفتهم الفتنة وأنه ينزع عن هذه الأمة الخصال التي نقمتم عليه وأنا ضامن لذلك‏.‏

قال القوم‏:‏ فإن لم ينزع قلت‏:‏ فأمركم إليكم‏.‏

فانصرف القوم وهم راضون ورجعت إلى عثمان فقلت‏:‏ أخلني فأخلاني فقلت‏:‏ الله الله يا عثمان في نفسك إن هؤلاء القوم إنما قدموا يريدون دمك وأنت ترى خذلان أصحابك لك فأعطاني الرضا وجزاني خيرًا‏.‏

ثم خرجت من عنده فأقمت ما شاء الله فيهم فعادوا له فقال لي‏:‏ ارجع إِليهم فأرددهم قلت‏:‏ لا والله لأني ضمنت لهم أمورًا تنزع عنها فلم تنزع عن حرف واحد منها‏.‏

فقال له‏:‏ الله المستعان‏.‏

وجاءني ابن عديس وسودان فقالا‏:‏ ألم تعلم أنك زعمت أن صاحبنا نازع عما نكره قلت‏:‏ بلى فأخرجوا صحيفة صغيرة وإذا قصبة من رصاص فقالوا‏:‏ وجدنا جملًا من إبل الصدقة عليه غلام عثمان ففتشنا متاعه فوجدنا فيه هذا الكتاب‏:‏ أما بعد فإذا قدم عليك عبد الرحمن بن عديس فاجلده مائة جلدة واحلق رأسه ولحيته وأطل حبسه حتى يأتيك أمري وعمرو بن الحمق فافعل به مثل ذلك وسودان مثل ذلك وعروة مثل ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وما يدريكم أن عثمان كتب هذا قالوا‏:‏ فيفتات مروان على عثمان بهذا فهذا أشر فيخرج نفسه من هذا الأمر‏.‏

ودخل علي على عثمان فأخبره بما وجدوا في الكتاب فجعل يقسم بالله ما كتب به ولا علم ولا شور‏.‏

قال ابن مسلمة‏:‏ إنه لصادق ولكن هذا عمل مروان فقال علي‏:‏ أدخلهم إليك واعتذر إليهم فدخلوا فما سلموا عليه بالخلافة بل قالوا‏:‏ سلام عليكم فقلنا‏:‏ وعليكم السلام فقدموا في كلامهم ابن عديس فذكر له أشياء من فعله وقالوا‏:‏ قد رحلنا نريد دمك فردنا علي ومحمد بن مسلمة وضمن لنا ابن مسلمة النزوع عما نقمناه فرجعنا إلى بلادنا فوجدنا غلامك وكتابك وخاتمك إلى عاملك بجلد ظهورنا والمثل بنا فقال عثمان‏:‏ والله ما كتبت ولا أمرت ولا شورت قالوا‏:‏ أيكتب مثل هذا غيرك فليس مثلك يلي اخلع نفسك فقال‏:‏ لا أنزع قميصًا ألبسنيه الله عز وجل‏.‏

فخرج الكل فحاصروه‏.‏

ذكر من كان يصلي بالناس وعثمان محصور

اختلف الناس في ذلك فروى الواقدي عن ربيعة بن عثمان عن يزيد بن رومان‏:‏ أنه لما حصر عثمان جاء المؤذن‏.‏

سعد القرظ إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال‏:‏ من يصلي بالناس فقال‏:‏ ناد خالد بن يزيد فقام فصلى بالناس‏.‏

قال الواقدي حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال‏:‏ جاء المؤذن إلى عثمان فأذن بالصلاة فقال‏:‏ لا أنزل اذهب إلى من يصلي فجاء إلى علي بن أبي طالب وأمر سهل بن حنيف فصلى اليوم الذي حصر فيه الحصر الأخير وهو ليلة رأى هلال في وقد روينا أن ابن عديس صلى بهم وكنانة بن بشر خليفته‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ومحمد بن ناصر قالا أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا ابن حيوية حدَّثنا أبو بكر الأنباري حدثنا محمد بن يونس حدَّثنا حفص بن عمر النميري حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال قال‏:‏ خرج عبد الله بن سلام إلى الناس يوم الدلج وقال‏:‏ يا قوم والله ما قتلت أمة نبيًا إلا قتل منها سبعون ألفًا ولا قتلت أمة خليفة إلا قتل منها مكانه خمسة وثلاثون ألفًا فأحرقوا الباب فقال عثمان‏:‏ ما عندهم بعد هذا بقية ثم دخلوا عليه فقتلوه‏.‏

ذكر من وليه بعد موته

وصف دفنه

ذكر سيف بن عمر أن عثمان قتل يوم الجمعة ودفن ليلة السبت في جوف الليل‏.‏

قال أبو بشر العابدي‏:‏ نبذ عثمان ثلاثة أيام لا يدفن ثم إن حكيم بن حزام وجبير بن مطعم كلما عليّا في أن يأذن لهما في دفنه ففعل فلما سُمِعَ بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة فأرسل إليهم علي يعزم عليهم ليَكفّن عنه ففعلوا‏.‏

وقال غيره‏:‏ دفن بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ الثبت عندنا أنه صلى عليه جبير بن مطعم وقال صالح بن كيسان‏:‏ خرج حكيم بن حرام في اثني عشر رجلًا منهم الزبير‏.‏

وروى الواقدي‏:‏ أنهم لما قتلوه أرادوا جز رأسه فوقعت عليه نائلة وأم البنين فمنعنهم وصحن وضربن الوجوه وخرقن ثيابهن فقال ابن عديس‏:‏ اتركوه فأخرج ولم يغسل إلى البقيع فأقبل عمير بن ضابىء فنَزَا عليه فكسر ضلعًا من أضلاعه وقال‏:‏ سجنت ضابئًا حتى مات في السجن‏.‏

وكان عمر عثمان اثنتين وثمانين سنة وأشهرًا‏.‏

وقيل ثلاثًا وثماثين وقيل‏:‏ ستًا وثمانين‏.‏

وقيل ثمانيًا وثمانين‏.‏

وقتل وعامله على مكة عبد الله بن الحضرمي وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي وعلى صنعاء يعلى بن أمية وعلى الجند عبد الله بن ربيعة وعلى البصرة عبد الله بن عامر بن كرز وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم غلب محمد بن أبي حذيفة على مصر فأخرج ابن سعد وعلى الكوفة‏:‏ على صلاتها أبو موسى وعلى حربها القعقاع بن عمرو وعلى قرقيسياء جرير بن عبد الله وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس وعلى حلوان عتيبة بن النهاس وعلى همذان النُّسَير وعلى الري سعيد بن قيس وعلى أَصفهان السائب بن الأقرع وعلى ماسبذان وعمال معاوية على حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة وعلى الأردن أبو الأعور بن سفيان وعلى القضاء أبو الدرداء وعلى قضاء عثمان زيد بن ثابت‏.‏

فصل

ولما قتل عثمان رضي الله عنه انتهبت داره ودار غيره وانتهبت دار أبي هريرة‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدًثنا يونس قال‏:‏ حدًثنا حماد بن زيد عن المهاجر عن أبي العالية عن أبي هريرة قال‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يومًا بتمرات فقلت‏:‏ ادع الله لي فيهن بالبركة قال‏:‏ فصفهن بين يديه ثم دعا فقال لي‏:‏ اجعلهن في مزودك وادخل يدك ولا تنثره‏.‏

قال‏:‏ فجعلت منه كذا وكذا وسقًا في سبيل الله وآكل وأطعم وكان لا يفارق حقوي‏.‏

فلما قتل عثمان رضي الله عنه انقطع عن حقوي وسقط‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا عبد الصمد بن المأمون قال‏:‏ أخبرنا ابن حبابة قال‏:‏ حدثنا البغوي قال‏:‏ حدثنا عبيد بن محمد العيشي قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن مسلم قال‏:‏ حدثنا يزيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة قال‏:‏ أصبت بثلاث بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه وذا يد منه وبقتل عثمان والمزود‏.‏

قالوا‏:‏ وما المزود قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابت الناس مخمصة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يا أبا هريرة هل من شيء ‏"‏ قلت‏:‏ نعم شيء من تمر في مزود قال‏:‏ ‏"‏ فآتني به ‏"‏ فأتيته به فأدخل يده وأخرج قبضة فبسطها ثم قال‏:‏ ادع لي عشرة فدعوت له عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم أدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال‏:‏ ادع لي عشرة فدعوت له عشرة فأكلوا حتى شبعوا فما زال يصنع ذلك حتى أطعم الجيش كله وشبعوا ثم قال لي‏:‏ ‏"‏ خذ ما جئت به وأدخل يدك واقبض ولا تكبه ‏"‏ قال أبو هريرة‏:‏ فقبضت على أكثر مما جئت به‏.‏

قال أبو هريرة‏:‏ ألا أحدثكم عما أكلت أكلت منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر وأطعمت وحياة عمر وأطعمت وحياة عثمان وأطعمت فلما قتل عثمان انتهبت بيتي وذهب المزود‏.‏

وفي رواية‏:‏ لقد جهزت منه خمسين وسقًا فيِ سبيل الله‏.‏

ولما ضرب عثمان بالسيف اتقت نائلة بنت الفرافصة بيدها فقطعت إصبعان من أصابعها فلما قتل كتبت إلى معاوية‏:‏ من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد‏.‏

فإني أذكركم بالله الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام وهداكم من الضلالة وأبعدكم عن الكفر وأنشدكم الله فأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه وأن أمير المؤمنين بُغِي عليه وكنت مشاهدة أمره إن أهل المدينة حصروه يحرسونه ليلهم ونهارهم قيامًا على أبوابه بسلاحهم حتى منعوه الماء ثم إنه رُمي بالنبل والحجارة ثم أحرقوا باب الدار ثم دخلوا عليه وأخفوا بلحيته وضربوه على رأسه ثلاث ضربات وطعنوه في صدره ثلاث طعنات وقد أرسلت إليكم بثوبه فحلف رجال من الشام ألا يطأوا النساء حتى يقتلوا قتلته أو تذهب أرواحهم‏.‏

فصل

وقد كان أمير المؤمنين علي يقول‏:‏ إنما وهنت يوم قتل عثمان‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أنبأنا أبو الفتح أحمد بن محمد الحداد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن إبراهيم بن منجويه أن الحاكم أبا أحمد محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ أخبرهم قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال‏:‏ حدثنا الحسين بن عرفة قال‏:‏ حدثنا عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة عن مجالد بن سعيد عن عمير بن زودي قال‏:‏ سمعت عليًا رضي الله عنه يقول‏:‏ هل تدرون إنما مثلي ومثلكم وقتل عثمان كمثل ثلاثة أثواركن في أجمة‏:‏ ثور أبيض وثور أسود وثور أحمر ومعهم فيها أسد فكان الأسد لا يقدر منها على شيء لاجتماعهم عليه فقال للثور الأسود والثور الأحمر‏:‏ إِنه لا يدل علينا في أجمتنا هذه إلا الثور الأبيض فإنه مشهور اللون فلو تركتماني فأكلته وصفت لي ولكما الأجمة وعشنا فيها فقالا له‏:‏ دونك وما تريد فأكله ثم لبث غير كثير فقال للثور الأحمر‏:‏ إنه لا يدل علينا في أجمتنا هذه إلا الثور الأسود فإنه مشهور اللون وإن لوني ولونك لا يشتهران فلو تركتني لآكله صفت لي ولك الأجمة وعشنا فيها فقال له‏:‏ دونك فأكله‏.‏

ثم لبث غير كثير فقال للثور الأحمر‏:‏ إني آكلك قال‏:‏ دعني حتى أنادي ثلاثة أصوات قال‏:‏ ناد فقال‏:‏ ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض ألا إني أَكلت يوم أكل الثور الأبيض ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض قال‏:‏ يقول علي رضي الله عنه ألا وإني إنما وُهنت يوم قتل عثمان رضي الله عنه‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة أعني سنة خمس وثلاثين من الهجرة